تداعيات تصاعد طالبان- آسيا الوسطى بين صراع أفغانستان وطموحات القوى الكبرى

المؤلف: باسل الحاج جاسم08.14.2025
تداعيات تصاعد طالبان- آسيا الوسطى بين صراع أفغانستان وطموحات القوى الكبرى

الأوضاع في أفغانستان تزداد اشتعالًا وتأزمًا، فمع استمرار انسحاب قوات حلف شمال الأطلسي (الناتو)، يتصاعد وتيرة العنف والقتال. يبدو أن نار الحرب لن تنطفئ ما دامت حركة طالبان تحقق المزيد من الانتصارات الميدانية، بينما يبدو الجيش الأفغاني عاجزًا عن صد هذا التقدم المتسارع، الأمر الذي يؤدي إلى توسيع سيطرة طالبان على مناطق جديدة بوتيرة مقلقة.

تتجه الأنظار مرة أخرى نحو منطقة آسيا الوسطى، هذه المنطقة المتاخمة لأفغانستان والمعروفة تاريخيًا بكونها ساحة للتنافس والنفوذ بين قوى عالمية وإقليمية عديدة، على رأسها روسيا والصين والولايات المتحدة والهند وباكستان وإيران وتركيا، بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي. إلا أن هذه المنطقة تواجه اليوم تحديات وظروفًا استثنائية لم تعهدها من قبل.

في واقع الأمر، يمكن القول إن القوات الحكومية الأفغانية قد استسلمت فعليًا في الجزء الشمالي من البلاد، حيث انسحب المئات من الجنود إلى كل من طاجيكستان وأوزبكستان في الأيام الأخيرة. حكومات دول آسيا الوسطى تراقب عن كثب هذه المعارك الدائرة على مقربة من حدودها. كانت هذه الحكومات تعتقد أنه مع سحب آخر القوات الأجنبية من أفغانستان، سيكون لديها متسع من الوقت لإعادة تقييم سياساتها تجاه جارتها، ولكن يبدو أن هذا الوقت قد نفد سريعًا.

قليلون هم الذين توقعوا هذا النجاح السريع لحركة طالبان في شمال أفغانستان. فمنذ مطلع شهر أيار/مايو الماضي وحتى يومنا هذا، امتد القتال بالفعل إلى الحدود الشمالية للبلاد، بل وجر معه منطقة آسيا الوسطى إلى دائرة الصراع. وتبدو هزيمة القوات الحكومية الأفغانية في مدينة شيرخان بندر (التي تعتبر نقطة تفتيش حيوية على الحدود مع طاجيكستان) بمثابة صدمة قوية لسلطات آسيا الوسطى، تمامًا كما كانت صدمة للـ 134 جنديًا أفغانيًا الذين فروا من هجوم طالبان ولجأوا إلى طاجيكستان.

ومما يزيد من حدة القلق، هو التأكيد الصادر عن وزارة الخارجية الأوزبكية بفرار 53 جنديًا أفغانيًا مسلحًا، بالإضافة إلى مليشيات متحالفة معهم، إلى داخل أوزبكستان في 23 يونيو/حزيران الماضي. وتفيد المعلومات المتداولة في طشقند بأن السلطات الأوزبكية قامت باستجواب هؤلاء الجنود والمليشيات قبل إعادتهم لاحقًا.

تتشارك 8 مقاطعات أفغانية حدودًا مع الجمهوريات السوفياتية السابقة في آسيا الوسطى، وهي (من الغرب إلى الشرق): هرات، بادغيس، فارياب، جوزجان، بلخ، قندوز، تخار، وبدخشان. وطوال الفترة التي أعقبت وصول القوات الأميركية إلى أفغانستان في أواخر عام 2001، كانت هذه المقاطعات تتمتع بسلام نسبي، مما جعل دول الجوار مثل تركمانستان وأوزبكستان وطاجيكستان لا تشعر بقلق بالغ.

إلا أنه منذ عام 2013، انخرطت قوات الأمن الأفغانية بشكل متزايد في معارك ضارية ضد طالبان ومسلحين آخرين. وفي بعض الأحيان، كانت هذه الاشتباكات تصل إلى المناطق الحدودية مع تركمانستان وطاجيكستان، حيث كانت القذائف المدفعية العشوائية والقصف يصل في بعض الأحيان إلى داخل أراضيهما.

وبينما تراقب طاجيكستان وتركمانستان وأوزبكستان هذه التطورات عن كثب، ترى حكوماتها أدلة دامغة على تراجع أداء القوات الحكومية الأفغانية. ففي بعض الحالات، نفدت ذخيرة قوات الأمن أو أنها لم تتلق أي تعزيزات. وفي أوقات أخرى، كانت هذه القوات تعقد صفقات مع مقاتلي طالبان المتقدمين، فتترك وراءها أسلحتها ومعداتها مقابل ممر آمن.

بات من الصعب تصور قدرة القوات الحكومية الأفغانية على مواجهة حركة طالبان في شمال أفغانستان لفترة طويلة، خاصة بعد 11 أيلول/سبتمبر المقبل، وهو الموعد المحدد لرحيل آخر القوات الأجنبية من البلاد.

لقد أوضحت الحكومة في كابل بالفعل أنها تسعى إلى تفعيل دور الجماعات شبه العسكرية في القتال الدائر ضد طالبان، ولكن هذا الأمر يثير قلقًا قديمًا لدى حكومتي طاجيكستان وأوزبكستان. ففي النصف الثاني من التسعينيات، عندما كان مقاتلو طالبان يسيطرون على معظم شمال أفغانستان، دعمت أوزبكستان زعيم الحرب الأفغاني الأوزبكي عبد الرشيد دستم، بينما قدمت طاجيكستان الدعم للقائد الطاجيكي العرقي أحمد شاه مسعود.

واليوم، ومع تدهور مواقع القوات الحكومية الأفغانية، ربما تبحث بعض الوحدات في طشقند ودوشانبي عن وكلاء أفغان لحراسة حدود بلادها. ومخاوف هذه الدول لا تتعلق بطالبان فحسب، بل أيضًا بالمسلحين المتطرفين من طاجيكستان وأوزبكستان الذين يقاتلون في صفوف طالبان أو الجماعات المسلحة الأخرى.

والأهم من ذلك كله، هو قلق هذه الدول بشأن مواطنيها المنتمين إلى جماعات مثل تنظيم الدولة الإسلامية في خراسان أو الجماعات المتطرفة في آسيا الوسطى التي تنشط الآن في أفغانستان. وبينما ينحدر معظم المسلحين من أصل طاجيكي، توجد أيضًا مجموعات يهيمن عليها الأوزبك، مثل اتحاد الجهاد الإسلامي، وكتيبة الإمام البخاري، وكتيبة التوحيد والجهاد، أو بقايا أتباع الحركة الإسلامية في أوزبكستان.

لطالما حاولت تركمانستان، بمفردها، الابتعاد عن الصراعات الداخلية في أفغانستان، وذلك من خلال اتباع سياسة رسمية للحياد.

ويرى خبراء أن تفاقم المشاكل الاجتماعية والاقتصادية وتزايد أعداد الشباب الذين فقدوا الأمل في العثور على فرص عمل أو تكوين أسر في هذه البلدان، قد أدى إلى زيادة التوتر الاجتماعي والتطرف لدى بعض الشباب الذين باتوا يرون في طالبان نموذجًا ناجحًا. وهذا يعني أن محاولات تقليد طالبان ستزداد، وستكون هناك مساع لإنشاء حركات مماثلة لطالبان في أوزبكستان وطاجيكستان وقيرغيزستان، مما سيخلق مشاكل جمة في المنطقة، وسيدفع إلى ازدياد الطلب على الوجود الأجنبي.

ومع استمرار تطور الأوضاع على الجانب الأفغاني من الحدود، من المرجح أيضًا أن تقوم حكومات طاجيكستان وتركمانستان وأوزبكستان بمراجعة الاتفاقيات الدفاعية والأمنية الثنائية والمتعددة الأطراف تحسبًا لأي تطورات طارئة.

ولا يمكن استبعاد إمكانية تأسيس قاعدة عسكرية أميركية أو تابعة لحلف الناتو في إحدى جمهوريات آسيا الوسطى، مثل أوزبكستان أو قيرغيزستان أو حتى كازاخستان، تحت مسمى "مركز تنسيق الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب"، وذلك لتوفير نقطة ارتكاز عسكري دائم للغرب في المنطقة.

وفي الختام، تجدر الإشارة إلى أن خطط واشنطن للحفاظ على وجودها العسكري والسياسي في آسيا الوسطى تتعارض بشكل مباشر مع مصالح موسكو وبكين في هذه المنطقة. ومن غير المتوقع أن تكون المنافسة سهلة في ظل قدرة الأميركيين على تقديم الموارد الأمنية وخلق فرص استثمارية مغرية.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة